بنت أصول

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، كان في بنوتة اتولدت في قرية بعيدة من قرى صعيد مصر الساعة تلاتة العصر، البنوتة دي كانت أصغر أخواتها وكان قبلها من الاخوات أربعة وهي الخامسة والصغيورة. كبرت البنوتة ودخلت المدرسة وكانت شطورة، فضلت تكبر سنة بعد سنة لحد ما وصلت في الابتدائية لآخر سنة، لكن لأنها عايشة في الريف وكمان في الصعيد فكان تعليم البنات مش من الأساسيات، فطلعوها أهلها من المدرسة وقالولها كفاية عليكي كدة واقعدي في البيت اتعلمي شغل الستات .سمعت البنت الكلام وقعدت من سكات.
ولأنها ذكية ومخها نضيف اتعلمت شغل البيت كله من أول التنضيف لحد خبيز الرغيف. ولما وصلت سن العشرين جالها العَدَل، شاب زي فلقة القمر شافها الشاب وهي قاعدة على سطوح بيتهم بتسرح شعرها الناعم الطويل واللي بيشبه في سواده سواد الليل سحرته بطلتها البهية وابتسامتها الندية طلبها للجواز وبسبب طيبته وجاذبيته وافقت واتجوزته.
يوم فرحها كانت طايرة ومبسوطة وكانت في رقتها ونعومتها زي البسكوتة، وعريسها ما صدق أول ما خلصت الزفة والفرح خدها وجري بيها على أحلى عش؛ عش حبهم، وبرغم ان عشهم كان بسيط ومافيهوش كتير من العفش بس مش مهم فرحتهم ببعض وإن جمعهم بيت واحد هو الأهم، وحبهم لبعض هايكون أجمل أثاث وأحلى فرش.
مرت الأيام وحملت العروسة وكلها كام شهر وبقت أم، رزقهم ربنا ببنوتة كانت وش الخير عليهم، ربنا وسع الرزق في وش باباها وبقى رزقه كبير، وفكر الزوج اللي كان شغلته التصوير انه ياخد مكان تاني يكون كبير، بس الفلوس اللي معاهم مكانتش كفاية فمن غير تردد أو تفكير خلعت بنت الأصول شبكتها وادتها لجوزها وقالتله بيعها وبتمنها خُد مكان تاني أكبر، رفض الزوج في الأول لكن مع إصرارها خدها منها ووعدها انه يعوضها بدهب أحسن من دهبها، وبعد ما كان مُصور بسيط واخد اوضة من اوض البيت وعاملها استوديو تصوير بقى معاه فلوس كتير وسابوا القرية الصغيرة واتنقلوا للمدينة وبقى له فيها استوديو له اسم كبير .
وشوية وخلفوا ولد وبعده بتلات سنين جابوا بنت وبعدها بسنتين جابوا بنت كمان. وكان زي ما بيقولوا في الريف كل عيل بينزل برزقه . ومع ذلك اكتفوا بالأربع عيال ومارضوش يخلفوا كتير .
عاشت الأسرة في سعادة وحب وتبات ونبات، والعيال كبروا ودخلوا مدارس وجامعات. لحد ما حصلت حاجة مكانتش تخطر ع البال تعب الأب واتصاب بمرض عِضال وبسبب مرضه فقد عمله ومصدر رزقه والحال اتبدل وبقى غير الحال. تعمل ايه أم العيال؟ تسيب أسرتها تتبهدل وحالها يتدهور؟ لأ طبعاً مش هايحصل قالت أم العيال أنا لازم أتصرف.
وزي ما وقفت جنب جوزها زمان في بداية جوازهم وباعت شبكتها عشانه قررت تقف جنبه تاني النهاردة وتسانده في ظروفه اللي جدت عليهم، فكرت وقالت ها اشتغل، طب ها اشتغل ايه وانا مش معايا شهادة؟! قالت الشغل مش عيب هاجيب شوية خضار وفاكهة وابيعهم واهو اللي يجي منهم نصرفهم، وفعلاً ماكدبتش خبر ونزلت بنت العز المعزوزة واشتغلت في بيع الفاكهة والخضار و ولادها كمان قالولها يا ماما احنا كبرنا ومابقناش صغار ولازم نتحمل المسئولية معاكي زي الكبار هاننزل نشتغل احنا كمان وزي ما قولتي الشغل مش عيب، كانوا بيشتغلوا ويروحوا مدارسهم وجامعاتهم ووقفوا جنب أمهم وساعدوها بشغلهم، وهي كمان كانت نعم الزوجة ونعم الأم كانت بتشتغل في النهار وتخدم جوزها وولادها بالليل وعن خدمتهم عمرها ما اتأخرت ولا قصرت.
وبعد صبر واحتمال وطولة بال ربنا حب يكافأها ويفرح قلبها جوزت بنتها الكبيرة بعد ما اتخرجت من كليتها، والفرحة أخيراً دخلت تاني لبيتها، لكن القَدر ما أمهلهاش وقضى الله نفذ ومات جوزها وابو اولادها بعد صراع سنين مع المرض وسابها لوحدها بعيالها .
حزنت الأم وحزنوا ولادها على موت باباهم أحن وأطيب أب . لكن ما استسلمتش الأم للحزن وقالت لازم أبقى واحدة جديدة واحدة صلبة ما تنكسرش، هافضل قوية علشان ولادي ولازم أكمل مسيرتي معاهم . وزي ما ربنا قدرني وعلمت بنتي الكبيرة وجوزتها ها اعلم أخواتها واجوزهم ومش هاتخلى أبداً عنهم. قامت تاني على رجليها وكملت مشوارها وعلمت ولادها لحد ما خلصوا تعليمهم وجوزتهم كلهم كمان .
أهي دي الست اللي تستحق يتعملها تمثال . الست اللي وقفت جنب جوزها طول عمرها وقفة رجال واللي فضلت مع أولادها لحد ما خلتهم في أحسن حال واللي ضحت براحتها عشان تريحهم وتمنحهم السعادة وراحة البال.
الست الجدعة قوي دي تبقى أمي الست “سعاد” .
حبيت أكتب عنها مش عني لأن قصتها قصة حب وكفاح تستحق يتحكي ويتكتب عنها الف كتاب، ونفسي أكافأها على تعبها معانا أنا وأخواتي وأفرحها بالجايزة .
يا رب الجايزة تكون من نصيبك يا أمي لانك تستحقيها واكتر .

بنتك المخلصة مريم حنا

شاركي من هنا

مقالات ذات صلة